طبيب الأجرة.. قصة شاب سعودي
كنت في رحلة لاداء العمرة وبعد ان حطتالطائرة في مطار الملك عبدالعزيز بجدة نزلت الى ارض المطار وتوجهت مسرعا الى موقفسيارات الاجرة للبحث عمن يوصلني الى مكة.
وكعادتي دوما احب الركوب مع سائقيالاجرة السعوديين لكونهم ابناء البلد ولعلمي انهم ادرى بالطرق السريعة المؤدية الىمكة، وكما يقال بالمثل (اهل مكة ادرى بشعابها)
أثناء وقوفي في الموقف تقدم الىشاب يافع تعلو على محياه البسمة، حسن الهندام وبكل ادب بادرني السلام ثم قال عمي هلترغب بسيارة توصلك الى مكة؟ فقلت توكلنا على الله جاء وبكل ادب وحمل حقائبي ليضعهافي سيارته ثم توجهنا قاصدين بيت الله الحرام.
بدأت اتجاذب معه اطراف الحديث وكماهو المعتاد في اسئلتنا التقليدية عن الاسم والعمل والسكن. قال اسمي فهد واسكن فيمدينة جدة وكما أسلفت كان شابا يبدو عليه الادب والخلق الجم، هادئ الطبع لا يجيبالا عندما يسأل، عندما سألته عن عمله قال لي انا طالب نهائي في كلية الطب.
كنتاعتقد انه قال طالب الاداب حيث اني لم اكن اتصور ان يكون طالبا في كلية الطب. فاستفسرت قائلا طالب كلية الاداب فأجاب ببسمة لطيفة لتمحو تعجبي قائلا: بل طالبالطب.
تفاجأت ، فعاد ببسمته الهادئة ليؤكد مرة ثانية قائلا نعم طالب كلية الطبفقلت يعني انت قريبا ستصبح ان شاء الله طبيبا فرد قائلا قصتي مع الطب طويلة وذاتشجون قد نصل مكة ولم انته من سردها.
فقلت له ممازحا خلينا نقطع الوقت أيضايقك انسألتك عنها
ثم بدأ يروي قصته:
كنت مبتعثا لدراسة الطب في احدى جامعات تكساسبالولايات المتحدة الامريكية وامضيت ست سنوات هناك تقريبا ولم يتبق سوى التطبيق ثمسنة الامتياز وفي تلك السنة حدثت حادثة مفجعة لأغلب افراد اسرتي.
والحمد لله علىكل حال ثم استرسل قائلا: اظنه لا يخفى عليك حادثة الباخرة المصرية التي غرقت فيمياه البحر الاحمر (عبارة السلام). كان اهلي جميعا على متن تلك الباخرة حيث كانوامتوجهين في رحلة علاجية لوالدتي في مصر والحمد لله على قضائه وقدره استشهد اهليجميعا حيث انتقل الى رحمة الله والدي ووالدتي وثلاثة من اخوتي واثنتان من اخواتيولم ينج سوى اخي عادل الذي كان عمره حينها السنة والنصف وأختي هند التي تكبره قليلاذات السنوات الاربع.
كنت حينها في الخارج في آخر سنة دراسية لي ولكن ارادةالمولى القدير فاجأني المصاب وتلقيت الخبر من اقاربي فحزمت حقائبي وتركت كل شيءوعدت لترتيب امور إخوتي فلقد اصبحت في غمضة عين مسؤولا عن طفلين يتيمين.
بدأتاعد العدة لتولي رعاية اخوتي وكنت مصرعلى ألا يتولى رعايتهما غيري حيث سئمت منبقائهما بين اقاربي.
واجهت صعوبة بالغة لرعاية هذين الطفلين لاسيما انهمالايزالان في سن الطفولة وكوني لم اتزوج بعد زاد من تلك المعاناة، فقررت الزواجلأتمكن من رعايتهما.. بدأت ابحث وخصوصا ان الاختيار لم يكن سهلا ومن ذا تقبل بانتكون اما لطفلين ومن اول يوم بعد زواجها تذكرت حينها كلمات والدي رحمة الله عليهفقد كان يمازحني دوما وفي اثناء اجازاتي قائلا زوجتك جاهزة تنتظر الطبيب يعود ويقصدابنة صديق له كان يحبه.
فكرت واستخرت واستشرت اقاربي فاقدمت متوكلا على اللهلاسيما اني اعتبرت ان هذا الزواج تحقيقا لرغبة والدي فلعله يكون برا بوالدي بعدموته وصلة بمن يحب ذات ليلة زرت صديق والدي في بيته كي استشيره وقبل ان اتقدم رسميافاجابني مباشرة قائلا يا بني لن تجد ابنتي شابا خيرا منك ليكن لقاؤنا غدا واحضر معاقاربك حتى تقتدموا رسميا لخطبة ابنتي.
في الموعد المحدد حضرت انا وبعض اعماميالى منزل صديق والدي ورحب بنا في بيته أجمل ترحيب وقد لفت نظري وجود رجل في مجلسهيظهر على سماته الصلاح لا نعرفه ولم يعرفنا به.
بعدما تحدثنا قليلا وأخبرناهبرغبتنا قال اذا توكلنا على الله والتفت الى يمينه قائلا لذلك الرجل تفضل يا شيخاكتب عقد النكاح، أي أنه اعد العدة لعقد الزواج في حينه واحضر المأذون.
تفاجأتحيث لم اكن مستعدا نفسيا وماديا فبادرني والد البنت قائلا خير البر عاجلة وبدأالمأذون بكتابة عقد النكاح فسألني عن الصداق فتلعثمت قليلا حيث لم أرتب نفسيففاجأني والد البنت مرة اخرى (ولن انساها ما حييت) فقال اخرج محفظتك، كم فيها منالمال، فاخرجتها ووجدت فيها اربعمائة ريال فقال والد البنت ذاك صداق ابنتي هذا هومهرها فكتب ذلك في العقد.
قبل أن ينتهي المأذون من كتابة العقد التفت الى وقالالديك شروط يا ولدي قلت: ابعد كل هذا الاحسان والكرم من والد زوجتي اتراه يكون لديشروط.
ليس لدي أي شرط ففاجأني للمرة الثالثة والد البنت قائلا بل لديك شرط ويجبان يكتب ذاك هو ان تقوم ابنتي بتربية اخويك الصغيرين.
تزوجت وانا سعيد وتقدمتللجامعة لاتمام سنة الامتياز في احد المستشفيات هنا، والآن احاول ان احسن وضعيالمادي بان اعمل كسائق سيارة اجرة في اوقات الفراغ. كنت دوما موقنا ان مع العسريسرا وان الفرج مع الصبر.
انتهى حديثه وكنا حينها على مشارف البيت الحرام ودعتهاملا ان يكتب الله لنا لقاء اخر. وقبل ان اودعك قارئي اود التأكيد بان القصة واقعيةوليست من نسج خيالي ولعلي هنا ارسل ثلاث رسائل سريعة اولاها ان كل مؤمن ومؤمنة عرضةلكثير من الابتلاء فمرة يبتلى الانسان بنفسه، ومرة يبتلى بماله, ومرة يبتلى بحبيبه،وهكذا تقلب الأقدار من لدن حكيم عليم ولكن من آمن ان كل شيء بقضاء الله وقدره واناكثر الناس بلاء هم الانبياء هان عليه المصاب.
ثانيها ان الصبر مفتاح لكل خيروان مع العسر يسرا وكما قيل ما غلب عسر يسرين.
ثالثة الرسائل دعوة صادقة لتيسيرالزواج فذاك مدعاة للبركة واحرى وارجى ان يوفق الله ويبارك في ذلك الزواج فقد روتعائشة – رضي الله عنها – عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : (ان اعظم النساءبركة ايسرهن مؤنة) وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (خيرهن ايسرهنصداقا) وعن الحسن البصري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الزموا النساءالرجال ولا تغالوا في المهور).
والد البنت في قصتنا الآنفة عرف معنى السعادةلابنته واشتراها لها لم لا؟ فقد اختار لها زوجا ويسر زواجهما واحسب ان ذلك الزوج لنينسى صنيع والد زوجته طيلة حياته واظنه سيسعى بكل ما أوتي لإسعاد زوجته.
فلتهنأتلك الاسرة وليهنأ ذلك البيت.